" ناقصات عقل و دين "
جملة يقولها كل الرجال تجاه مواقف معينة تقوم بها النساء ، جملة تقلب كل الأمور وتثور لها الأذان عند سماعها ، فعند سماع أية امرأة هذه الكلمة ، تشتعل غيظًا بسبب عدم فهم الرجال
لها ، دخلت معه في حوار عقيم ، ولكي يثبت لها قلة عقلها ، قال لها هذه الجملة : " صحيح
ناقصات عقل ودين " .. كادت أن تجن ، وأنهت معه المكالمة بعد سماع هذه الجملة ، ودار في
عقلها المفهوم الغريب الذي يفهمه الرجال .
فنجد أن للرجال مفهومهم الخاص في تفسير الأشياء حسب أهوائهم ، مع أن معنى الجملة
مفهوم وواضح للكل ، ولا يحتاج لتعريف . ولكن سأبدا بتعريفه كما وضحه الدين .
فمعنى ناقصات عقل أن المرأة كثيرًا ما تغلبها عاطفتها ، وتتغلب على عقلها ، لذلك جاءت من
هنا كلمة ناقصات عقل ، وناقصات دين يرجع إلى أنها في أيام معينة من كل شهر تمتنع عن
الصلاة والصوم ، بسبب شيء فطري وطبيعي في المرأة خلقها الله به ، ولذلك جاءت من هنا
كلمة ناقصات دين .
ولكن ليس معنى ناقصات عقل أن بها شيء من الجنون ، أو أي شيء شبيه بهذه الكلمة ،
وليس معناها أنها بدون وعي ولا إدراك ، وليس معنى ناقصات دين أنها كافرة أو غير متدينة .
ولكن للأسف هذا المعنى يفهمه كل الرجال ، ويستخدمونه لاستفزاز أي امرأة في طريقهم
وحياتهم ، وهم للأسف لا يعلمون ما تأثير فهمهم الخطأ للكلمة على النساء ، فهو كفيل بتدمير
نفسية أية امرأة على وجه الأرض .
ويذكرني هذا المفهوم بفهم الرجال الخاطئ أيضًا لكلمة ( قوامون على النساء ) ، فكثير من
الرجال يفسرون الكلام على أهوائهم ، وتبعًا لمصالحهم .
هل ينكر أي شخص أن المرأة بداخلها عقل تستطيع به أن تدير أسرة بأكلمها - بل عائلة كاملة
؟ وغالبًا ما نرى أن الرجل عند الكلام عن أية امرأة يستبعد أمه ، بمعنى أنه يرى أن أمه ليس
لها مثيل ، ولكن باقي النساء مثل بعضهن سواء كانت زوجته أو أخته أو ابنته .
أعتقد أن هذا تناقض كبير ، وأكبر دليل على تخبط الرجال في فهم المرأة ، فنجد الرجل يصف
لدته بأحسن الصفات ، ويرى أنها كل شيء ، ولكن عند أية امرأة أخرى تكون عكس ذلك ، مع
أن أخته أو زوجته أو ابنته أو زميلته في العمل في يوم من الأيام سوف تصبح أمًا ، وسوف
يراها أبناؤها كل شيء ، فالمرأة هي المرأة وتكون بها كل صفات الأم منذ طفولتها ، ولكن
للأسف يحاول رجال كثيرون تشوية معانٍ جميلة موجودة داخل المرأة ، بسبب فهمهم الخاطئ
، وأيضًا تصريحهم بهذا المفهوم لأية سيدة .
تبقى نقطة أخرى ، وهي عدم معرفة الناس هل كلمة ( ناقصات عقل ودين ) مقولة اخترعها
الناس ، أم هي آية في القرآن أم حديث شريف ؟
الإجابة هي أنها حديث شريف . روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني
رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار .
فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ
العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن .
قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ
شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي ، وتُفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين .
ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج .
وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة ، وذلك في قوله
تعالى : " واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم ، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء ، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى البقرة 282 .
أعتقد أن الأمر أصبح واضحًا ، ولو رأينا في الحديث سوف نجد ( فقالت امرأة منهن جزلة ) ، ومعنى جزلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، فالحديث أيضًا أوضح للناس أنه توجد نساء ذات عقل ورأي ووقار ، ولم ينكر على المرأة هذا الشيء ، فلماذا ننكره نحن ؟
في النهاية المفهوم الخطأ لهذه الكلمة تمتد آثاره للمدى البعيد ، بمعنى أنه عندما يوجد رجل
يفهم معنى الكلمة بالطريقة الخطأ ، ويتصرف تصرفات بناءً على هذا المفهوم ، فإن الآثار تمتد
لأبنائه سواء كانوا بنات أو أولاد ، فلن يقتصر التأثير السيء على المرأة فقط ، ولكنه سيمتد
ويحفظ في ذاكرة الأطفال ، وتظهر نتائجه عند الكبر عندما يكبر الأطفال وخصوصًا الذكور ،
فنجدهم يفعلون كل شيء محفوظ في عقولهم مما رأوه وهم صغار ، وللأسف كثيرًا ما تكون
الآثار أقوى وأبشع مما رأوه وهم صغار .
فمتى نتخلص من الفهم الخاطئ لكلمات الدين وتفسيرها حسب آهوائنا ؟
ومتى نتخلص من استخدام المصطلحات والكلمات في استفزاز كل من حولنا ؟
ومتى نصل إلى فهم كل شيء على حقيقته ؟
أسئلة تحتاج لإجابات .. فهل من مجيب ؟
أخوكم في الله أبو عـــــــداي